موريتانيا وأزواد بين الأمس واليوم
عندما اغتيل الجنرال الفرنسي كبولاني على يد المقاومة الموريتانية ثلاثينات القرن الماضي كان قد وضع خريطه " ارض البيضان " الممتدة من كليميم باب الصحراء الى نهر السنغال ومن المحيط الاطلسي إلى بحيرة تشاد ويميز شعبها لبس الدراعة والملحفة وله نفس العادات والتقاليد وقد ناضلت هذه الشعوب كل في إقليمه وتحت قياداته المحلية ضد الاستعمارين الفرنسي والاسباني .
خلال فترة الأربعينات أنخرط بعض قادة البيضان في مكتب تحرير المغرب العربي بالقاهرة ثم حدثت خطط استعمارية لتقسيم المنطقة بدأت بفصل الحوض عن ازواد عام 1947 بهدف ضمه لمالي وإبعاده عن منظومتة المغاربية وقام عملاء فرنسا في دول المنطقة حديثة الاستقلال بتفكيك الروابط الاجتماعية بين مناطق البيضان و افتعلوا صراعات وهمية بين العرب و الأمازيغ مثلما يحدث بين الشعانبة ولمظابة في غرداية .
وقد تمكن بعض شيوخ ازواد مثل الأمير محمد المختار الأنصاري الملقب حماما من ضم منطقة زعامته خويبة رأس الماء غرب تمبكتو إلى موريتانيا لکهنا اعيدت لمالي في ترسيم الحدود عام 1964 وأصبح رؤساء موريتانيا المختار ولد داده ومحمد خونا ولد هيدالة ومعاوية ولد الطايع يقومون بتجنيس ابناء تمبكتو ويعتبرون اهل خويبة راس الماء "كل انصر واولاد زعيم " نقطة ارتكاز سياستهم وبوصلتها في أزواد و يحق لهم دخول الجيش وتولي المناصب الحكومية وقد انقسم الأزواديين في حرب الصحراء بين الطرفين البيضانيين المتصارعين وحظوا باحترام البولساريو وموريتانيا .
وقد تعاطفت الجمهورية الثانية بقيادة معاوية ولد الطايع مع المعسكر الاستقلالي الذي اسسه الأمير محمد علي الأنصاري والشهيد مانو دياك ومنحوا احد أبطاله عيسى سيدي محمد زعيم الجبهة الشعبية لتحرير ازواد وسام تقدير ودعموه بعد رفضه اتفاقية الجزائر عام 1992 وتواصلوا مع االأمير محمد علي الأنصاري عبر دبلوماسييهم في المغرب ومع الشهيد مانو دياك وكرموا تلاميذهم وجعلوهم رقم صعب في سياستهم تجاه ازواد و رفضوا إعادة اللاجئين وخلال الجمهورية الثانية لم تطلق الصحافة المحلية إسم الماليين عليهم وكان إقليم تمبكتو منطقة نفوذ موريتانية خالصة بينما لايتجازو النفوذ الجزائري كيدال و منكا .
وكان الرئيس معاوية ولد الطايع يعتبر الطوارق العمود الفقري لقوات الأمن الرئاسي ورأس الحربة الموريتانية في مقاومة مشروع حركة فلام المدعوم من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا
وبعد الاطاحة بولد الطايع عام 2005 قرب الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعض تجار البرابيش المرتبطين بمصالح مالية مع أقاربه وصاروا يجنسون افراد قبائلهم وصعب تجنيس الطوارق بححة أنهم لايجيدون اللهجة الحسانية .
وقد وزع الرئيس محمد ولد عبد العزيز الفصائل التي صنعها منذ 2012 بالتنسيق مع الجنرال الجزائري توفيق وبعضهم كانوا ناشطين في منسقية عرب مالي معارضين لثورة الشهيد إبراهيم اغ بهنغا بين منسقية حركات أزواد بقيادة MNLA برئاسة بلال اغ الشريف التي تنازلت عن استقلال أزواد في اتفاقية وغادغو وبين بلات فورم بقيادة الهجي غامو الموالية لمالي لدعم المعسكر الاندماجي بقيادة إياد اغ غالي وهو ما ورط حركاتهم في حروب قبلية بعضها طوارقي - بربوشي كما حدث قرب حدود الجزائر بين إدنان والبرابيش وأخرى بربوشية - بربوشية كان أخر فصولها ما حدث في لرنب قرب حدود موريتانيا قبل أسابيع بين ترمز وادوعيش .
ونتيجة لذلك دخل إقليم تمبكتو قبضة الجنرال الجزاىري توفيق وتراجع النفوذ الموريتاني وأصبح مجرد استعراض دبلوماسي في كيدال لتلميع صورة ولد عبد العزيز في الاتحاد الافريقي بعدما زج به الجنرال توفيق بمشروع اللوبي الزنحي الامريكي المسمى بالحرب على الإرهاب الذي يشيطن الأزواديين ويربطهم بالارهاب ويستخدم مرتزقة إعلاميين "خبراء شؤون الارهاب" وانتج مستشاره الثقافي عبد الرحمن سيسكو فيلم تمبكتو الذي يقدم حكومة مالي كدولة مسالمة اعتدى عليها إرهابيون أزواديون بيض وانقذها التدخل الفرنسي ونال عليه جوائز أوسكار تشجيعية في مهرجان كان السينمائي.
وفي المقابل غادر كثير من الطوارق موريتانيا إلى جنوب الجزاىر بسبب تضييق أقارب الرئيس محمد ولد عبد العزيز المتحكمين بملف الحالة المدنية ويستخدمونه سياسيا للحد من تجنيس الرقيبات الذين يختلفون معهم في قضية الصحراء الغربية بحجة انهم مزدوجي الجنسية وكذلك يحدون من وتيرة تجنيس الطوارق لدفعهم للعودة إلى مالي حتى يتمكن الجنرال توفيق الذي ينسق معه ولد عبد العزيز في شؤون منطقة الساحل من السيطرة على الملف الأزوادي ومساومة فرنسا في صراعه الداخلي ضد الجنرال احمد قايد صالح وقد تضررت قضية أزواد من ذلك التنسيق الذي كان على حساب توازنات مغاربية وغربية اهم وأكثر فائدة للمصالح العلياء الموريتانية .
وقد خسرت موريتانيا خلال العشرية الماضية الكثير من اوراقها الاقليمية بسبب فقدان ولد عبدالعزيز البوصلة وإرتهان مواقفه لصراع محاور إقليمي لاناقة للمصالح العلياء للبلد فيه ولا جمل وتخليه عن المعسكر الاستقلالي الأزوادي المقرب من دوائر صنع القرار الغربي الذي جعل من الرئيس معاوية ولد الطايع رقم صعب عربيا وافريقيا وبيضة القبان في الكثير من ملفات المنطقة .
وبعد فوز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قائد الجمهورية الثالثة الذي تربطه قرابات و تحالفات مع ابناء خويبة راس الماء العمود الفقري للمعسكر الاستقلالي فإن بإمكانه ان يبدا معهم من حيث انتهى ولد الطايع قائد الجمهورية الثانية ويعيد لموريتانيا دورها في ازواد ومكانتها الدولية لتكون العمود الفقري لمشروع الشرق الأوسط الكبير في المنطقة المغاربية ولم شمل أمة البيضان عبر دعم قضيتي ازواد والصحراء الغربية والاستفادة من دعم اللوبيات الداعمة لأزواد في الكونغرس الامريكي والاتحاد الاوروبي وحلفائهم الأكراد في المشرق العربي والجاليات المسلمة في الغرب المنخرطة بالمشروع ودعم القضية الصحراوية لكسب اللوبيات الداعمة لها في اميركا اللاتنينية .
بقلم / ابوبكر الأنصاري
رئيس المؤتمر الوطني الأزوادي