يسود الكثير من اللغط لتاريخ إقليم أزواد ومسيرة شعبه المريرة في النضال من أجل تكوين كيان منفصل ومستقل عن دويلة مالي العنصرية. وجل الذين كتبوا أو يكتبون على هذا الجزء المهم من العالم، إما أنهم يجهلون أو يتجاهلون جذور المشكلة الحقيقية٬ أو أنهم لا يملكون دراية كافية عن الحقائق التاريخية والظروف التي أدت وقادت هذا الشعب المضطهد إلى رفع السلاح في وجه المستعمر الفرنسي في فترات مبكرة من دخوله لمنطقة الصحراء قبل أن يعودوا ويرفعوه مرة أخرى على الأنظمة الجائرة التي مكنتها فرنسا عليهم عنوة.
وقبل أن أتناول بعض التفاصيل البسيطة لمسيرة نضال هذا الشعب وثوراته ضد الظلم والاضطهاد لحكومات مالي المتتالية، سوف احاول تسليط الضوء على أصل تسمية الإقليم قبل المرور بشكل مقتضب على أهم الثورات التي قام بها الطوارق والعرب معا في الإقليم ضد جور حكومات المنطقة خاصة مالي ودور فرنسا ودول الجوار في محاولة وأد هذه الثورات التي تقام بين حين وآخر.
أصل تسمية أزواد:
صحراء أزَواد أو صحراء (أزَواغ ) هي المنطقة الصحراوية الواقعة في الطرف الجنوبي الغربي للصحراء الكبرى التي تشمل المناطق الكبرى مثل تين بكتو غاو وكيدال. وقبل ترسيم الحدود الدولية وحتى في وقت قريب، كانت التسمية تطلق على بعض مناطق أزواغ وأيار (شمال النيجر) خاصة على منطقتي طاوة وأغاديز. وتستخدم تسمية «أزَواد» في إقليم أزَواد بينما التسمية الشائعة في النيجر هي "أزَواغ" وهي الأقرب إلى أصل الكلمة. ولكن منذ خروج المستعمر الفرنسي اقتصر استخدام الكلمة فقط على الجزء الشمالي من دولة مالي الحالية.
أهم ثورات الإقليم:
لم يشعر الشعب الأزوادي يوما انه جزء من الدولة المالية، ولا الشعب المالي شعر يوما أنه جزء من أزواد، بل بقي الشعبين منذ الزواج القسري في عام 1960 (تاريخ ترسيم الحدود المشؤومة) برعاية فرنسية يسيران في اتجاهين وخطين متوازيين وربما سيظلان كذلك حتى يوم إعلان الطلاق والانفصال النهائي الذي بات لا ريب فيه. ويمكن أن نقول بجدارة أنه لا يوجد شيء يجمع بين هذين الشعبين سوى الدين الإسلامي٬ أما اللغة والثقافة والعادات والعرق فهي مختلفة تماما. الشعب الأزوادي بطبيعة الحال٬ ينتمي إلى حضارة شمال افريقيا والى الامة الامازيغية وليس إلى أدغال القارة السمراء. هذا الاختلاف البين في كل شيء بين الشعب الازوادي والمالي، هو الذي أسس لبذور الثورات والانتفاضات الأزوادية التي لم تنطفئ نيرانها منذ خروج المحتل الفرنسي من المنطقة حتى يوم الناس هذا٬ وهو ما يعكس حقيقة مدى استحالة التعايش السلمي بين الشعبين وحتمية الانفصال عاجلا ام اجلا.
عندما عجزت فرنسا في فرض سيطرتها على الطوارق واخضاعهم لقوانينها التي كانت تطلق عليها آنذاك "بالمدنية" التي تمرد عليها الطوارق حتى انهم رفضوا حتى ارسال اطفالهم الى مقاعد المدارس الفرنسية تعبيرا عن اشمئزازهم من رائحة المستعمر "الكافر"، وبعد الفشل الذريع لفرنسا وأعوانها من الأفارقة في بسط نفوذ سيطرتها على مناطق الطوارق (جنوب الجزائر وجنوب ليبيا وشمال مالي والنيجر) إلا في فترات متأخرة من حملتها العسكرية في أفريقيا حيث كانت منطقة الطوارق آخر منطقة يتم إخضاعها للسيطرة الفرنسية في أفريقيا. ولم يكن لفرنسا أن تخضع هذه المنطقة إلا بعد أن قامت بتطبيق سياسة "فرق تسد" لكسر قوة مقاومة فرسان الطوارق الذين يعتمدون على معرفتهم الجيدة بتضاريس الأرض بجانب الى الرماح والسيوف بينما تعتمد وحدات المشاة الفرنسية على أحدث التقنيات العسكرية وعلى قوة البارود والرصاص، فلم يكن أمام الفرنسيون الذين مَنَّو بهزائم نكراء على يد الطوارق إلا الضرب على وتر القبيلة وعنصر الجهوية لتحقيق النصر٬ وهو نفس الوتر الذي تضرب عليه أي قوة أخرى حتى اليوم تسعى لبسط نفوذها على الطوارق. فالقبلية آفة، القبلية جهل٬ القبلية سرطان خبيث لا يمكن أن تحيا أو تتقدم أي أمة طالما لم يتم استئصاله من جسدها!
ففي عام 1960-1963 بادرت فرنسا الاستعمارية برسيم الحدود المشؤومة وتقسيم أراضي الطوارق التقليدية بين عدة دول بغية إضعافهم وسهولة السيطرة عليهم بعدما نجحت في تأليب بعضهم على بعض في حروب قبلية دامية. وكنتيجة لهذا التقسيم الظالم٬ قامت فرنسا في عام 1963 بإهداء الجزء الغربي المتاخم للصحراء جنوب الجزائر الحالية إلى الجنرال الديكتاتور الشيوعي موديبو كيتا الذي لحق الإقليم عنوة إلى ما كان يسمى آنذاك بـ مملكة "مالي الإسلامية". الشيء الذي قوبل برفض تام من قبل سكان الإقليم من الطوارق والعرب وقاد إلى أول ثورة ضد الدولة المالية الوليدة التي كان يتزعمها الشيوعي الدموي موديبو كيتا.
ثورة الطوارق الأولى بعد الخروج الفرنسي ضد نظام الديكتاتور موديبو كيتا
بعد خروج فرنسا من القارة الافريقية مخلفة ورائها حدود سياسية جديدة التي لم يكن شعبنا يوما جزء ممن شارك في رسم ملامحها بل كان ضحية لهذه الحدود المختلقة ليس فقط في إقليم أزواد ولكن في كل مناطق الصحراء٬ حيث وجد الطوارق أنفسهم مجبرين في خوض غمار مقاومة أخرى ضد المستعمر الجديد خاصة في مالي والنيجر اللتين ورثتا الأساليب الاستعمارية عن مروضتهما القديمة المتمثلة في الدولة الفرنسية التي قامت بتسليم مصير أمة كاملة على طبق من ذهب لمستعمر جديد أسوأ بكثير منها.
ففي عام 1963 كانت الثورة الأولى التي قام بها الطوارق تعبيرا لرفضهم بالحاقهم الى مملكة مالي. ووجهت تلك الثورة بقمع رهيب٬ وكانت ثورة دموية بكل ما تحمله الكلمة من معنى التي راح ضحيتها مئات من الطوارق والعرب في مجازر جماعية ناهيك من آلاف المهجرين الذين هجروا إلى دول الجوار مثل موريتانيا والجزائر التي لا تقل عدوانية ووحشية من مالي أو النيجر. ولم تكتف مالي في حربها الشعواء على المقابر الجماعية والتهجير القسري والتصفيات العرقية فقط، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير في تسميمها للآبار وحرق للحيوانات واقتيادها ما تبقى منها نحو مناطقها الفقيرة في أقصى الجنوب.
انتهت ثورة 1963 بالفشل التي قامت بها مجموعة محدودة جدا من الطوارق ذوي الإمكانيات البسيطة (بندقية واحدة وأربعة رجال) بعد تكالب دول الجوار مع النظام المالي العنصري ضد زعماءها. ومن بين هذه الدول التي لها تاريخ اسود مع قضية الطوارق هي الدولة الجزائرية وللاسف مازالت تمارس نفس الدور السلبي حتى يومنا هذا على الطوارق وعلى قضاياهم العادلة. حيث قام الرئيس الجزائري آنذاك بن بلة بتسليم مجموعة من قادة الثورة الذين حالوا الفرار إلى الحدود الجزائرية طلبا للحماية بعد أن نفذت ذخيرتهم٬ وبدل أن يقوم الرئيس الجديد بتوفير الحماية اللازمة لهم كما تقتضي الاعراف و القوانين الدولية قام بتسليمهم كهدية إلى باماكو ليموت من مات منهم وتكتب الحياة لمن عاش منهم.
اليوم بعد أكثر من 54 سنة من النضال والمعاناة مازال النظام الجزائري يساند الوجود المالي ويحرم الشعب الأزوادي من نيل الاستقلال رغم التضحيات الكبرى التي قدمها الشعب الأزوادي إبان المقاومة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي التي لعب فيها الطوارق دورا مشرفا لا يغيب إلا على ناكر جاحد. حيث كان الطوارق يتبرعون بأبلهم ومواشيهم وأبقارهم قبل إرسالها لثوار المقاومة الجزائريين الذين كانوا يخوضون حربا شرسة مع القوات الفرنسية في أقصى الشمال. حتى أن الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة كان يقوم بدور جمع التبرعات والاتاوات بنفسه، وكان يصول ويجول بين مراعي ووديان أزواد تحت حماية فرسان الطوارق طلبا للمساعدة ولجمع الدعم اللوجستي لمقاتلي جبهة التحرير الجزائرية. ومع ذلك،ها هو اليوم لا يفارق كرسيه المتحرك ولكنه مازال ينكر على هذا الشعب المظلوم جميله وحقه في الحرية والكرامة كبقية شعوب الأرض.
في الجزء القادم من هذه السلسلة سوف نتناول بإيجاز أحداث ثورة 1990 والثورات التي تلتها قبل أن ننتقل إلى ثورات الطوارق في كل من اقليم ايار وازواغ ثم الجزائر وليبيا
بقلم/ أكلي شكا -23-8- -2017 لندن